الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال الزجاج: البعد {لما توعدون} أو بعد {لما توعدون} وينبغي أن يجعل كلامه تفسير معنى لا تفسير إعراب لأنه لم تثبت مصدرية {هيهات} وقول الزمخشري: فمن نونه نزله منزلة المصدر ليس بواضح لأنهم قد نونوا أسماء الأفعال، ولا نقول إنها إذا نونت تنزلت منزلة المصدر.وقال ابن عطية: طورًا تلي الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد أي بعد، وأحيانًا يكون الفاعل محذوفًا وذلك عند اللام كهذه الآية التقدير بعد الوجود {لما توعدون} انتهى.وهذا ليس بجيد لأن فيه حذف الفاعل، وفيه أنه مصدر حذف وأبقى معموله ولا يجيز البصريون شيئًا من هذا.وقال ابن عطية أيضًا في قراءة من ضم ونون أنه اسم معرب مستقل، وخبره {لما توعدون} أي البعد لوعدكم كما تقول: النجح لسعيك.وقال صاحب اللوامح: فأما من قال: {هيهات} فرفع ونون احتمل أن يكونا اسمين متمكنين مرتفعين بالابتداء وما بعدهما خبرهما من حروف الجر بمعنى البعد {لما توعدون} والتكرار للتأكيد، ويجوز أن يكونا اسمين للفعل والضم للبناء مثل حوب في زجر الإبل لكنه نون لكونه نكرة انتهى.وقرأ ابن أبي عبلة {هيهات هيهات} ما {توعدون} بغير لام وتكون ما فاعلة بهيهات. وهي قراءة واضحة.وقالوا {إن هي} هذا الضمير يفسره سياق الكلام لأنهم قبل أنكروا المعاد فقالوا {أيعدكم أنكم} الآية فاستفهموا استفهام استبعاد وتوقيف واستهزاء، فتضمن أن لا حياة إلاّ حياتهم.وقال الزمخشري: هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه، وأصله أن الحياة {إلاّ حياتنا} الدنيا ثم وضع {هي} موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبنيها، ومنه هي النفس تتحمل ما حملت وهي العرب تقول: ما شاءت، والمعنى: لا حياة إلاّ هذه الحياة الدنيا لأن {إن} الثانية دخلت على {هي} التي هي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي نفت ما بعدها نفي الجنس.{نموت ونحيا} أي يموت بعض ويولد بعض ينقرض قرن ويأتي قرن انتهى، ثم أكدوا ما حصروه من أن لا حياة إلاّ حياتهم وحرموا بانتفاء بعثهم من قبورهم للجزاء وهذا هو كفر الدهرية، ثم نسبوه إلى افتراء الكذب على الله في أنه نبأه وأرسله إلينا وأخبره أنا نبعث {وما نحن له بمؤمنين} أي بمصدّقين، ولما أيس من إيمانهم ورأى إصرارهم على الكفر دعا عليهم وطلب عقوبتهم على تكذيبهم {قال عما قليل} أي عن زمن قليل، وما توكيد للقلة وقليل صفة لزمن محذوف وفي معناه قريب.قيل: أي بعد الموت تصيرون نادمين.وقيل {عما قليل} أي وقت نزول العذاب في الدنيا ظهور علاماته والندامة على ترك قبول ما جاءهم به رسولهم حيث لا ينفع الرجوع، واللام في {ليصبحن} لام القسم و{عما قليل} متعلق بـ ما بعد اللام إما بيصبحن وإما بنادمين، وجاز ذلك لأنه جار ومجرور ويتسامح في المجرورات والظروف ما لا يتسامح في غيرها، ألا ترى أنه لو كان مفعولًا به لم يجز تقديمه لو قلت: لأضربن زيدًا لم يجز زيدًا لأضربن، وهذا الذي قررناه من أن {عما قليل} يتعلق بما بعد لام القسم هو قول بعض أصحابنا وجمهورهم على أن لام القسم لا يتقدم شيء من معمولات ما بعدها عليها سواء كان ظرفًا أو مجرورًا أو غيرهما، فعلى قول هو لا يكون {عما قليل} يتعلق بمحذوف يدل عليه ما قبله تقديره {عما قليل} تنصر لأن قبله قال: {رب انصرني}.وذهب الفراء وأبو عبيدة إلى جواز تقديم معمول ما بعد هذه اللام عليها مطلقًا.وفي اللوامح عن بعضهم لتصبحن بتاء على المخاطبة، فلو ذهب ذاهب إلى أن يصير القول من الرسول إلى الكفار بعدما أجيب دعاؤه لكان جائزًا والله أعلم انتهى.{فأخذتهم الصيحة} قال الزمخشري: صيحة جبريل عليه السلام صاح عليهم فدمرهم {بالحق} بالوجوب لأنهم قد استوجبوا الهلاك أو بالعدل من الله من قولك: فلان يقضي بالحق إذا كان عادلًا في قضاياه شبههم بالغثاء في دمارهم وهو حميل السيل مما بلي واسودّ من الورق والعيدان انتهى.وعن ابن عباس {الصيحة} الرجفة.وقيل: هي نفس العذاب والموت.وقيل: العذاب المصطلم.قال الشاعر:
وقال المفضل: {بالحق} بما لا مدفع له كقولك: وجاءت سكرة الموت بالحق.وانتصب بعدًا بفعل متروك إظهاره أي بعدوا بعدًا.أي هلكوا، يقال بعد بعدًا وبعدًا نحو رشد رشدًا ورشدًا.وقال الحوفي {للقوم} متعلق بـ بعدًا.وقال الزمخشري: و{للقوم الظالمين} بيان لمن دعى عليه بالبعد نحو {هيت لك} و{لما توعدون} انتهى فلا تتعلق ببعدًا بل بمحذوف. اهـ. .التفسير المأثور: قال السيوطي:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى}.أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} قال: يتبع بعضهم بعضًا. وفي لفظ قال: بعضهم على أثر بعض.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وقتادة رضي الله عنه مثله والله أعلم. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى}.قوله: {تَتْرَى}: فيه وجهان، أحدُهما: وهو الظاهرُ أنَّه منصوبٌ على الحالِ مِنْ {رُسُلَنا} بمعنى متواتِرين أي: واحدًا بعد واحدٍ، أو مُتتابعين على حَسَبِ الخلافِ في معناه كما سيأتي. وحقيقتُه أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحالِ. والثاني: أنه نعتٌ مصدرٍ محذوف تقديرُه: إرسالًا تَتْرى أي: متتابعين أو إرسالًا إثرَ إرْسال.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهي قراءةُ الشافعيِّ {تَتْرَىً} بالتنوين. وباقي السبعةِ {تترى} بألفٍ صريحةٍ دونَ تنوينٍ. وهذه هي اللغةُ المشهورةُ، فَمَنْ نَوَّن فله وجهان، أحدُهما: أنَّ وَزْنَ الكلمةِ فَعْل كفَلْس، فقوله: {تَتْرَىً} كقولك: نَصَرْتُه نَصْرًا. وَوَزْنُه في قراءتِهم فَعْلًا. وقد رُدَّ هذا الوجهُ بأنَّه لم يُحْفَظْ جَرَيانُ حركاتِ الإِعرابِ على رائِه، فيُقال: هذا تَتْرٌ ومررت بتَتْرٍ نحو: هذا نَصْرٌ، ورأيت نصرًا، ومررتُ بنصرٍ. فإذا لم يُحْفَظْ ذلك بَطَلَ أَنْ يكونَ وزنُه فَعْلًا. الثاني: أن ألفَه للإِلحاقِ ب جَعْفر كهي في أَرْطى وعَلْقى فلمَّا نُوِّن ذَهَبَتْ لالتقاءِ الساكنين. وهذا أقربُ مِمَّا قبلَه، ولكنه يلزمُ منه وجودُ ألفِ الإِلحاقِ في المصادرِ وهو نادرٌ، الثالث: أنها للتأنيثِ كدعوى. وهي واضحةً فتحصَّلَ في ألفِه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها بدلٌ من التنوينِ في الوقفِ. الثاني: أنها للإِلحاق. الثالث للتأنيث. واخْتُلف فيها: هل هي مصدرٌ كدعوى وذكرى، أو اسمُ جمعٍ كأسرى وشتى، كذا قالهما الشيخ. وفيه نظرٌ، إذ المشهورُ أنَّ أسرى وشَتَّى جمعا تكسيرٍ لا اسما جمعٍ. وفاؤُها في الأصلِ واوٌ؛ لأنَّها من المُواترة والوِتْر، فقُلِبَتْ تاءً كما قُلِبَتْ تاءً في تَوْارة وتَوْلج وتَيْقُور وتُخَمَة وتُراث وتُجاه، فإنها من الوَرْي والوُلوج والوَقار والوَخامة والوِراثة والوَجْه.واختلفوا في مَدْلُولِها: فعن الأصمعيِّ: واحدًا بعد واحد، وبينهما مُهْلَة. وقال غيره: هي من المُواترة وهي التتابُعُ بغير مُهْلة. وقال الراغب: والتواتُرُ: تتابُعُ الشيءِ وِتْرًا وفرادى. قال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} والوَتِيْرَة: السَّجِيَّةُ والطريقة. يقال: هم على وَتيرةٍ واحدةٍ. والتِرَةُ: الذَّحْلُ. والوَتيرة: الحاجزُ بين المَنْخِرَيْن.قوله: {أَحَادِيثَ} قيل: هو جمعُ حديث ولكنه شاذٌّ. وقيل: بل هو جمعُ أُحْدُوْثَة كأُضْحُوكة. وقال الأخفش: لا يُقال ذلك إلاَّ في الشَّرِّ. ولا يُقال في الخير. وقد شَذَّتِ العربُ في أُلَيْفاظ فجمعوها على صيغة مَفاعيل كأَباطيل وأَقاطيع. وقال الزمخشري: الأحاديث تكونَ اسمَ جمعٍ للحديث، ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ: وأَفاعيل ليس من أبنيةِ اسمِ الجمع، وإنما ذكرَه أصحابُنا فيما شَذَّ من الجموعِ كقَطيع وأقاطيع، وإذا كان عَباديد قد حكموا عليه بأنه جمعُ تكسيرٍ مع أنهم لم يَلْفِظوا له بواحدٍ فأحرى أحاديث وقد لُفِظ له بواحدٍ وهو حديث فاتضح أنه جمُع تكسيرٍ لا اسمُ جمعٍ لما ذكَرْنا. اهـ..تفسير الآيات (45- 48): قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)}..مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما كان آل فرعون قد أنكروا الإيمان لبشر مثلهم كما قال من تقدم ذكره من قوم نوح والقرن الذي بعدهم، وكانوا أترف أهل زمانهم، وأعظمهم قوة، وأكثرهم عدة، وكانوا يستعبدون بني إسرائيل، وكان قد نقل إلينا من الآيات التي أظهر رسولهم ما لم ينقل إلينا مثله لمن تقدمه، صرح سبحانه بهم، وكأن الرسالة إليهم كانت بعد فترة طويلة، فدل عليها بحرف التراخي فقال: {ثم أرسلنا} أي بما لنا من العظمة {موسى} وزاد في التسلية بقوله: {وأخاه هارون} أي عاضدًا له وبيانًا لأن إهلاك فرعون وآله جميعًا مع أنجاء الرسولين معًا ومن آمن بهما لإرادة الواحد القهار لإفلاح المؤمنين وخيبة الكافرين {بآياتنا} أي المعجزات، بعظمتنا لمن يباريها {وسلطان مبين} أي حجة ملزمة عظيمة واضحة، وهي حراسته وهو وحده، وأعلاه على كل من ناواه وهم مع قوتهم ملء الأرض وعجزهم عن كل ما يرومونه من كيده، وهذه وإن كانت من جملة الآيات لكنها أعظمها، وهي وحدها كافية في إيجاب التصديق {إلى فرعون وملئه} أي وقومه.ولما كان الأطراف لا يخالفون الأشراف، عدهم عدمًا، ومن الواضح أن التقدير: أن اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، وأشار بقوله: {فاستكبروا} إلى أنهم أوجدوا الكبر عن الاتباع فيما دعوا إليه عقب الإبلاغ من غير تأمل ولا تثبت وطلبوا أن لا يكونوا تحت أمر من دعاهم، وأشار بالكون إلى فساد جبلتهم فقال: {وكانوا قومًا} أي أقوياء {عالين} على جميع من يناويهم من أمثالهم.ولما تسبب عن استكبارهم وعلوهم إنكارهم للاتباع قال: {فقالوا أنؤمن} أي بالله مصدقين {لبشرين} ولما كان مثل و غير قد يوصف بهما المذكر والمؤنث والمثنى والجمع دون تغيير، ولم تدع حاجة إلى التثنية قال: {مثلنا} أي في البشرية والمأكل والمشرب وغيرهما مما يعتري البشر كما قال من تقدمهم {وقومهما} أي والحال أن قومهما {لنا عابدون} أي في غاية الذل والانقياد كالعبيد فنحن أعلى منهما بهذا، ويا ليت شعري ما لهم لما جعلوا هذا شبهة لم يجعلوا عجزهم عن إهلاك الرسل وعما يأتون به من المعجزات فرقانًا وما جوابهم عن أن من الناس الجاهل الذي لا يهتدي لشيء والعالم الذي يفوق الوصف من فاوت بينهما؟ وإذا جاز التفاوت بينهما في ذلك فلم لا يجوز في غيره؟.ولما تسبب عن هذا الإنكار التكذيب، فتسبب عنه الهلاك، قال: {فكذبوهما} أي فرعون وملؤه موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام {فكانوا} أي فرعون وآله، ونبه بصيغة المفعول على عظيم القدرة فقال: {من المهلكين} بإغراقنا لهم على تكذيبهم إشارة إلى أنهم لم يهلكوا بأنفسهم من غير مهلك مختار بدليل إغراقهم كلهم بما كان سبب إنجاء بني إسرائيل كلهم ولم تغن عنهم قوتهم في أنفسهم ثم قوتهم على خصوص بني إسرائيل باستعبادهم إياهم، ولا ضر بني إسرائيل ضعفهم عن دفاعهم، ولا ذلهم لهم وصغارهم في أيديهم. اهـ.
|